2 ـ المنع مع تصحيح القضاء ـ إن قضت ـ في غير الحدود والقصاص
وهو رأي الأحناف (11) .
تنبيه :
الأحناف يصححون قضاء المرأة في غير الحدود والقصاص لأنهم يرون
أن أهلية القضاء دائرة مع أهلية الشهادة ـ كما سيأتي في أدلتهم ـ ،
ولكن مع هذا لا يجيزون تقليد المرأة منصب القضاء ويرون إثم من ولى امرأة
منصب القضاء ويقولون إن منصب القضاء كان للأحناف فترات طويلة من الزمن
ولم تول امرأة أبدا ً هذا المنصب (12)،
وقد رجعت إلى كتب الأحناف فرأيت في البحر الرائق :
وتقضي المرأة في غير حد وقود لأنها أهل للشهادة في غيرهما ، فكانت أهلا ً للقضاء
لكن يأثم المولي لها (13) .
وجاء في رد المحتار على الدر المختار :
والمرأة تقضي في غير حد وقود وإن أثم المولي لها (14) .
3 ـ السماح مطلقا ً وهو رأي الظاهرية (15) ، وينسب إلى ابن جرير الطبري (16) (17) .
أدلة الجمهور :
1 ـ قول الله تعالى :
" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض
و بما أنفقوا من أموالهم " (18) .
وجه الدلالة في الآية :
هذه الآية تدل على أن الرجل هو القيم على المرأة أي هو رئيسها والحاكم عليها (19) .
و التعريف في كلمتي الرجال والنساء يفيد العموم أي أن جنس الرجال هو الذي ينبغي
أن يكون حاكما ً على جنس النساء ، وعليه فلا ينبغي أن تكون المرأة هي التي تتولى
أمر القضاء أو غيره من الأمور التي تكون فيها قيمة على الرجل .
2 ـ من السنة :
ما رواه أبو بكرة رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] (20) .
وجه الدلالة في الحديث :
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل قوم ولوا أمرهم امرأة ؛ فإنهم لن يفلحوا ،
ونفي الفلاح يقتضي التحريم ، وكل ولاية عامة فإنها داخلة في هذا النهي ،
وحيث أن ولاية القضاء تعد من الولايات العامة فإن الحديث يشملها .
3 ـ لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين المهديين من بعده
أنه ولى امرأة قضاءً قط (21) .
أدلة الأحناف :
أستدل الأحناف على عدم تولية المرأة القضاء بنفس الحديث الذي استدل به الجمهور (22)
غير أنهم يرون أنها إن قضت في غير الحدود والقصاص ،
فقضاؤها صحيح لأنها أهل لأن تقضي ، فأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة (23) .
أدلة الظاهرية :
1ـ ما ورد في الصحيحين عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
كلكم راع ٍ ومسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم ،
والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده
وهي مسئولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع
وكلكم مسئول عن رعيته (24) .
وجه الدلالة في الحديث :
قالوا إن الحديث يثبت أن المرأة راعية وأنها مسئولة عما استرعيت عليه ،
فيصح أن تكون راعية إلا في الأمر العام وهو الخلافة لحديث أبي بكرة رضى الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة (25) أما ما عدا الخلافة فلا مانع منه (26) .
2 ـ ما ورد في المحلى :
أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولى امرأة من قومه
ـ يقال لها الشفاء ـ أمر السوق (27) .
وجه الدلالة في الأثر :
قالوا في هذا دليل على أن المرأة تلي بعض الولايات ، فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ،
وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمُرنا باتباع سنتهم يولي امرأة أمر السوق ،
فهذا دليل على أن المنع ليس من عموم التولية بل هو خاص بالخلافة فقط .
الترجيح :
الراجح قول الجمهور لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة أما ما استدل به الظاهرية ،
فحديث المرأة راعية 00 دليل في غير محل النزاع ،
وأما أثر عمر فلا دليل على صحته ولو صح فلا يدرى ما الذي ولاه عمر رضى الله عنه
للشفاء ، فلعله ولاها شيئا ً خاص بالنساء .
، وعليه فلا يصح شرعا ً تولية المرأة منصب القضاء
كما هو الراجح من قول جمهور الفقهاء ، ومن ولاها فإنه يأثم كما نص على ذلك فقهاء
المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
جاء في كتاب الأحكام السلطانية :
وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ،
ولا اعتبار بقول يرده الإجماع (28) .
(1) لسان العرب المحيط لابن منظور 3 / 111 . (2) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للشيخ أحمد بن يوسف بن عبد الدايم الحلبي 3 / 2137 ط 1 مكتب الإعلام والبحوث والنشر بجمعية الدعوة الإسلامية العالمية ـ ليبيا . (3) الصحاح في اللغة والعلوم تجديد صحاح العلامة الجوهري لنديم وأسامة مرعشلي 2 / 317 . (4) لسان العرب لابن منظور 3 / 111 . (5) رد المحتار على الدر المختار المعروف باسم حاشية ابن عابدين 8 / 20 . (6) الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للعلامة أبي البركات أحمد بن محمد الدردير 4 / 186. (7) حاشيتان قليوبي ـ عميرة على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين 4 / 186. (8) حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع لابن قاسم النجدي الحنبلي 7 / 508 . (9) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 35 / 355 ط 1 صاحب السمو الملكي فهد بن عبد العزيز مطابع دار العربية ـ بيروت . (10) انظر : الشرح الصغير للدردير 4 / 187 ، مغني المحتاج للشربيني 6 / 262 ، المغني لابن قدامة 9 / 39 . (11) انظر : بدائع الصنائع للكاساني 9 / 4079 ، البحر الرائق لابن نجيم 6 / 433 ، رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2 / 240 . (12) تعلمت هذه الفائدة ـ أعني فائدة التفريق بين عدم جواز التولية وبين صحة قضاء المرأة في غير الحدود والقصاص ـ من صاحب رسالة ولاية المرأة في الفقه الإسلامي حافظ محمد أنور انظر : ولاية المرأة في الفقه الإسلامي لحافظ محمد أنور ص 222 ، وما بعدها . (13) البحر الرائق لابن نجيم 7 / 8 . (14) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2 / 240 . (15) المحلى لابن حزم 8 / 527 ، 528 . (16) الحسين بن القاسم أبو علي الطبري الفقيه الشافعي درس على أبي علي بن أبي هريرة وبرع في العلم وسكن بغداد وصنف كتاب المحرر وهو أول كتاب صنف في الخلاف المجرد وصنف أيضا كتاب الإفصاح في المذهب وصنف كتابا في الجدل وكتابا في أصول الفقه ومات ببغداد في سنة خمسين وثلاثمائة . تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 78 ط دار الكتب العلمية بيروت . (17) بداية المجتهد لابن رشد 6 / 205 (18) سورة النساء : آية : 34 . (19) تفسير القرآن العظيم لا بن كثير 1 / 641 (20) تقدم تخريجه ، وهو في البخاري وغيره . (21) انظر المغني لابن قدامة 9 / 39 ، 40 . (22) انظر البحر الرائق لابن نجيم 7 / 8 ، رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2 / 240 . (23) انظر بدائع الصنائع للكاساني 9 / 4079 . (24) تقدم تخريجه ، وهو في الصحيحين . (25) تقدم تخريجه ، وهو عند البخاري وغيره . (26) انظر المحلى لابن حزم 8 / 528 . (27) تقدم تخريجه . (28) الأحكام السلطانية للماوردي ص 81 .
التعليقات
نجمة-92
..:: عضو مشارك ::..
تاريخ التسجيل : 09/06/2010
عدد المساهمات : 88
الجنس :
نقاط التقيم : 5
شكرااا لك أخي وبارك الله فيك وجزاك كل الخير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تحيآتي الخالصة لك ..