يتفق الباحثون في تحديد أصول العولمة لدلك توزعت مواقفهم على الشكل الأتي:
انطلقت العولمة مند القرن 15م عندما تم القضاء على أسس النظام الإقطاعي_الحدود.الانغلاق.الاستغلال.المقاطعات.الامتيازات…_وتأسيس الدول الوطنية القومية حيث نمت المبادلات التجارية بين الشعوب والأمم الأوربية
بدأت العولمة خلال النصف الأول من القرن19 والنصف الأول من القرن 20 حيث ظهرت الثورة الصناعية الثانية ونمت الصناعة والفلاحة والتجارة والمواصلات والابناك….مما ساهم في توسيع التبادل التجاري والاستثمارات عبر دول العالم.
-ظهرت العولمة بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسبب تكوين مؤسسات مالية كالصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وتشكيل تكتلات اقتصادية على الصعيد العالمي بين دول متقاربة من الناحية الجغرافية والمن الناحية الاقتصادية.كالسوق الأوربية المشتركة1957 والتي صارت اتحادا أوربيا، ثم مجموعة أمم جنوب شرق أسيا-كوريا الجنوبية.اليابان.سنغافورة.ماليزيا..انظر خطاطة ص 11
أنواع العولمة وخصائصها:
أشكال العولمة وخصائصها
*العولمة السياسية
-تقلص سلطة الدول أمام سلطة الشركات الكبرى والمؤسسات المالية+سيادة الديمقراطية وحقوق الإنسان خطابا وممارسة وتلاشي الأنظمة الشمولية-الاستبدادية-+سيادة نظام القطبية الأحادية الذي تقوده الولايات المتحدة عالميا مند 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
*العولمة الاقتصادية
-سيطرة اقتصاد السوق +التبادل الحر+إلغاء الحمائية+المنافسة+الاستثمار+الإشهار+استخدام المعلوميات+…+سلطة المؤسسات المالية والتكتلات الاقتصادية والشركات المتعددة الجنسيات.
*العولمة الثقافية:
-الاتجاه نحو سيادة تقاليد وعادات وسلوك ولغة واستهلاك وعلاقات…..موحدة على الصعيد العالمي.+سيادة ثقافة الاستهلاك والفر دانية+الاتجاه نحو إلغاء الخصوصيات الحضارية والثقافية.
*العولمة الإعلامية-المعلوماتية:
-تطور ساحق في مجال الإعلاميات ووسائل الاتصال والصناعات الالكترونية-الثورة التكنولوجية الثالثة-…+تطور وسائل الاتصال والتواصل وتقريب المسافات بين الشعوب-القرية العالمية-+استخدام هائل للمعلوميات في الحياة اليومية للإنسان
الأسس المحركة لتطور أشكال العولمة:
:الأسس الاقتصادية *
-الأساس المالي:
ويتمثل في حرية الاستثمارات وحرية أسعار المواد والعملات والفوائد النقدية ثم توجيه الإصلاحات
الاقتصادية في الدول النامية من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
-الأساس الإنتاجي:
يتجلى نهج سياسة الخوصصة واعتماد أساليب السوق الحرة مثل المنافسة وحرية الأفراد والشركات في المبادرة والاستثمار دون أية قيود من طرف الدول.
-الأساس التجاري:
حرص منظمة التجارة العالمية على تقديم تسهيلات للمبادلات التجارية بإلغاء السياسة الحمائية ونظام التحكم في حصص الصادرات والواردات ثم تبني سياسة التسويق الحر في مجال المنتجات والأسعار والأسواق.
-الأسس التقنية للعولمة:
وتتجلى فيما يلي:
ثورة في وسائل المواصلات:تشهد وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية تطورا هائلا بسبب الثورة التقنية المتواصلة،مما جعلها تسهل التنقل والتواصل وتقصر المسافات الجغرافية للسلع والأشخاص عبر العالم.
ثورة في وسائل الاتصال:يعرف العالم تقدما غير مسبوق في قطاع وسائل الاتصالات البريد،الأقمار الاصطناعية،الهاتف،الانترنيت….مما جعل سكان العالم يتعايشون وكأنهم في قرية صغيرة.
ثورة في وسائل التواصل:تشهد وسائل الأعلام تطورا كبيرا وتنوعا هائلا سواء الصحافة المكتوبة أو الصحافة المرئية أو المسموعة مما جعل سكان العالم يعيشون زمنية الوقائع ويطلعون على ثقافات وحضارات الشعوب والأمم.
2-العـولمـة وآثارها الاقتصادية المدمرة على البلاد الإسلامية والعربيه والعالم
عندما نرى العالم يشهد ارتفاعاً عالمياً للأسعار فاق كل التوقعات، فأضر بكل فقراء العالم، بل وزاد من نسبتهم في المجتمعات حتى بات الوقوف في طوابير الخبز شيئاً عادياً في مصر. وعندما يصبح الانتحار وقتل الأبناء خياراً للفقراء في باكستان، وعندما نسمع شكوى وبكاء الرجال على شاشات التلفاز من شدة الفقر وقلة ذات اليد… يحق لنا أن نتساءل: ما السبب في ذلك؟ وما الذي أدى إلى تطور الأوضاع الجنوني؟ ولماذا أصبحت المشكلة عالمية؟ فما دخل مصر بأزمة حصلت في أميركا؟ وما دخل الشرق الأوسط بغلاء الأسعار في أوروبا؟ ومن الذي حول أزمة الرهن العقاري الأميركية إلى مشكلة عالمية؟
كل هذا يقودنا إلى بحث سياسة العولمة التي كثر الحديث عنها في العالم في الآونة الأخيرة بشكل واسع.
معنى العولمة: العولمة لغة مشتقة من العالم وذلك على تفصيل مذكور في كتب اللغة.
ولكن الذي يعنينا هنا المعنى الاصطلاحي للعولمة، فالعولمة التي هي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية Globalization كثرت التعريفات لها.
فقال بعضهم: «العولمة هي الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين: الزماني والمكاني، ما يجعل العالم يبدو صغيراً إلى حد يُحتّم على البشر التقارب بعضهم من بعض».
وقال آخرون: «العولمة هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسية والثقافة والسلوك، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية».
في حين يعرف الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي العولمة بأنها «نظام يُمكّن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق».
والحقيقة أن مفهوم (العولمة) ليس مجرد شعار اقتصادي رأسمالي فحسب، بل هي فكرة رأسمالية سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أم الاجتماعي أم الثقافي أم الإعلامي، ولكن الوجه الاقتصادي أبرزها، وهو السبب وراء نشوء فكرتها، فالوجه الاقتصادي هو الأبرز والأهم؛ ولذلك سأقصر الحديث في هذا الموضوع على الجانب الاقتصادي.
فالعولمة إفراز من إفرازات النظام الرأسمالي، وقد جاءت كنتيجة لما خلفه تطبيق هذا النظام من آثار سيئة، أهمها:
سوء التوزيع الذي جرّ إلى تركز رأس المال بيد حفنة من الرأسماليين لا تتجاوز نسبتهم 2% في المجتمعات، وما تبع ذلك من تناقص الأرباح في الأسواق الداخلية مع تصاعد وتيرة المنافسة المحلية. وكذلك الأزمات الاقتصادية التي تتكرر بشكل مستمر نتيجة تطبيق النظام الرأسمالي، كل ذلك دفع القائمين على هذا النظام إلى تشكيل لجان من علماء الاقتصاد ورجال الأعمال والسياسة للقيام بالبحوث والتوصيات اللازمة لتجنب هذه الأزمات الاقتصادية ولتحصيل الأرباح بشكل مستمر، فكانت بحوثهم وتوصياتهم أول رؤيا للعولمة وباكورتها.
ولكن خلال الحرب الباردة كان الاتحاد السوفيتي هو العائق أمام العولمة الشاملة، وبعد انهياره ومع توفر أدوات ووسائل اتصال أفضل أصبحت أدوات السيطرة المالية والسياسية اللازمة للسيطرة على العالم جاهزة للعمل، خاصة بعد أن نجحت أميركا في إنشاء منظمة التجارة العالمية إضافة إلى صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، ما يعني أننا نستطيع القول أن عقد التسعينات من القرن الماضي هو الذي شكل البدايات الفعلية للعولمة.
متطلبات العولمة وأدواتها
لتحقيق العولمة وتطبيقها كان لابد من متطلبات سابقة وأدوات، أما المتطلبات فكانت
1-الترويج لثقافة العولمة لدى الشعوب والدول، وذلك بالدعوة إلى الديمقراطية بدلاً من الدكتاتورية، ودولة المؤسسات بدلاً من دولة الرئيس، والتعددية الحزبية بدلاً من دولة الحزب الواحد، كل ذلك من أجل الوصول إلى خلخلة المجتمعات، وتغيير بنية الدول على نحو يسمح للشركات الأجنبية عابرة القارات ومتعددة الجنسيات بالنفاذ إلى الأسواق المحلية للدول النامية.
2- تدمير بنية الدول الاقتصادية لإفقاد الدولة سيطرتها على مواردها الوطنية، عن طريق استغلال حاجاتها الاستهلاكية وقتل المبادرات المحلية، وتوجيه ثرواتها وهيكلة اقتصادها بتدخل مباشر من المؤسسات المالية والتجارية الخاضعة لها؛ فتصبح بلدان العالم سوقاً لأميركا والدول الكبرى، وخاصة بلدان العالم النامي ومنها بلدان العالم الإسلامي .
3- إزالة القيود وتحرير الطريق أمام حركة رأس المال الغربي بحيث يُسمح لرأس المال بالتنقل بحرية بين البلدان وبالتالي المتاجرة به في الأسواق المالية المحلية والعالمية والمضاربة به على نحو يحقق الأرباح الباهظة بتجارة وهمية غير حقيقية.
أما عن أدوات العولمة فهي كثيرة ولولاها لبقيت فكرة خيالية تحلم بها أميركا والدول الكبرى.
وأبرز هذه الأدوات :
1- منظمة الأمم المتحدة، والتي تأسست رسمياً عام 1945م، والتي تتدخل بدورها في كل الدول النامية وتحت ذرائع عدة تمكن الدول الكبرى من السيطرة عليها، فاحتلال العراق مثلاً يتم تحت غطاء الأمم المتحدة والذي تحولت بسببه العراق إلى محمية اقتصادية لأميركا.
2- صندوق النقد الدولي، الذي يعمل على إغراق الدول المستهدفة بالديون لتصبح عاجزة أو شبه عاجزة عن ملاحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة، فتكون بالتالي وسيلة لبسط النفوذ على البلاد، وتصبح الدولة الممولة أو المقرضة هي المتحكمة بالدولة المدينة، فتفتح لها سوقها وتقدم لها كل التسهيلات فتمتص خيراتها وتستنـزفها.
3- البنك الدولي، فقد أخذ البنك الدولي بتوجيه من الولايات المتحدة بإجبار دول العالم الإسلامي على إعادة هيكلة اقتصاداتها على ضوء مفاهيم العولمة، فاتجهت لخارج دولها لجذب رأس المال الأجنبي، وتبني مفهوم القطاع الخاص وما يتطلبه ذلك من تحجيم واضح في الملكية العامة.
4- منظمة التجارة العالمية، والتي لديها الكثير من الصكوك والاتفاقيات القانونية الملزمة للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وأبرزها:
- الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة (جات) GATT، والتي أنشأت تحت ذريعة تحرير التجارة العالمية من القيود التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية؛ وذلك بخفض الجمارك، والحد من القيود الكمية والنوعية المفروضة على السلع من قبل الدول الأطراف في الاتفاقيات.
- الاتفاق العام للتجارة في الخدمات (الجاتس) [GATS] الذي يطبق على تجارة الخدمات، والذي نص على قاعدة «التغطية الشاملة» بخصوص الخدمات، والمقصود شمول جميع الخدمات المتاجر بها دولياً في الاتفاق، بغضِّ النظر عن طريقة توصيل الخدمة.
- اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية (تريبس) [TRIPS]. والتي تتبلور في 1 -حقوق التأليف 2 -حقوق براءات الاختراع 3 - حقوق النماذج الصناعية
فعلى سبيل المثال الحد الأدنى لمدة حقوق الملكية الفكرية هو 50 سنة في حالة حقوق الطبع، و 20 سنة في حالة براءات الاختراع، و 7 سنوات في حالة العلامات التجارية.
وهناك اتفاقيات أخرى في منظمة التجارة العالمية ملزمة للأعضاء الموقعين عليها فقط.
5- المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) الذي يعتبر "العقل المفكر" للشركات الاحتكارية ولسياسات العولمة.
6- مجموعة الدول الصناعية G8 التي تجتمع بشكل مستمر، فتقر الاتفاقيات التي تؤثر على العالم كله، وطبعاً قراراتها لا تخرج عن كونها تسهيل لمصالحها في العالم.
ولكن يمكن القول إن (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية) هذا الثالوث هو السلاح الفتاك بيد أميركا للتفرد بالعالم ولفرض العولمة.
آثار سياسة العولمة الاقتصادية
إن تطبيق فكرة العولمة أدى إلى مصائب وكوارث اقتصادية، ولا سيما على البلدان النامية ومنها البلاد الإسلامية، والتي يمكن تلخيص أبرزها بما يلي :
1- أول هذه الأخطار وأعظمها فقدان السيادة وتفكيك بنية الدول:
إن العولمة تحتاج إلى السيطرة على الدولة الوطنية وإخضاع قوانينها لحركتها وحريتها في العمل حتى لا يبقى أي عائق أمام الاحتلال الاقتصادي وصولاً إلى مفهوم جديد للدولة يتمثل في دولة المؤسسات التي تحل محل الدولة التقليدية المعتادة، حيث تتحول الدولة في ظل العولمة، كأنها إدارة عامة جديدة، أي أنها تتحول إلى حكومة أعمال. وهو ما يترتب عليه وهن الدولة وشرعيتها، خاصة وأن هذه الشركات العالمية عادة ما تهدد بهروب رؤوس أموالها إذا لم تستجب الحكومات لمطالبها، وهي مطالب عديدة، مثل منحها تنازلات ضريبية سخية، وتقديم مشروعات البنية التحتية لها مجانًا، وإلغاء وتعديل التشريعات التي كانت تحقق بعض المكاسب للعمل والطبقة الوسطى، مثل: قوانين الحد الأدنى للأجور، ومشروعات الضمان الاجتماعي والصحي وإعانات البطالة، وبما يقلل مساهماتها المالية في هذه الأمور وخصخصة كثير من الخدمات العامة التي كانت تقوم بها الحكومات، لكي يضطلع بها القطاع الخاص، مثلما حدث في الأردن مع شركة الاتصالات.
ففي ظل العولمة، تتحول الشركات متعددة الجنسيات إلى دول حقيقية تقوم بتفكيك الدول وإعادة بنائها من جديد، وجعلها تتنازل تحت ضربات الرأسمالية الاحتكارية عن حقوقها وحدودها الجغرافية وواجباتها تجاه مجتمعاتها، كي تقيم دولة عالمية، قادتها ورؤساؤها رؤوس الاحتكارات العالمية؛ كي تمتص دماء الكادحين في المجتمعات الإنسانية.
2- تفاقم التفاوت في الثروة بين المواطنين:
فعندما تصبح الشركات عابرة للقارات ومتعددة الجنسيات يعني أن ثروتها ستصبح أكثر من بعض الدول، ويعني أنه لن تقوى الشركات العادية المحلية على منافستها، وهذا يؤدي بالتالي لإغلاق الشركات الصغيرة واضمحلالها مع الوقت، وهذا يترتب عليه أن المجتمع سيتحول إلى طبقتين وهما الأغنياء الذين يملكون أكثر من 90% من رأسمال البلد في حين لا يتجاوز نسبتهم من المجتمع أكثر من 10%، والعكس صحيح بالنسبة للطبقة الأخرى وهي الفقراء.
فعلى سبيل المثال هناك 350 شركة كبرى تستأثر بما نسبته 40% من التجارة الدولية. هذا وقد بلغت الحصة المئوية لأكبر عشر شركات في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية 86% من السوق العالمي، وبلغت هذه النسبة 85% من قطاع المبيدات وما يقرب من 70% من قطاع الحاسبات و60% من قطاع الأدوية البيطرية و35% من قطاع الأدوية الصيدلانية و34% من قطاع البذور التجارية.
وحسب إحصائية لعام 2002م فإن الشركات متعددة الجنسية تمتلك 44% من قيمة الإنتاج العالمي فيما تبلغ حصة أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية 4.6% من مجمل الإنتاج العالمي.
3- تدهور مستوى المعيشة وانخفاض الأجور وارتفاع معدل البطالة:
إن الشركات متعددة الجنسيات نادرًا ما تدخل في شكل استثمارات مباشرة طويلة الأمد، وإنما تدخل بما يعرف بالأموال الطائرة، في استثمارات قصيرة الأجل وسريعة الفوائد والتي تحقق لها عوائد هائلة، دون أن يكون لذلك مردود على التنمية المحلية. وإن حدث وقدمت استثمارات مباشرة طويلة الأمد، فإنها قبل ذلك تأخذ ما يكفيها من التسهيلات والضمانات السياسية والاقتصادية التي لا تحظى بها رؤوس الأموال المحلية، وهو ما يعرقل الاقتصاد المحلي، زيادة على ذلك، فإن معظم أنشطتها تقتصر على السلع الاستهلاكية ذات العائد الأسرع نتيجة للنمط الاستهلاكي السائد.
وبما أن النظام المعولم سيخفض نسبة الحاجة إلى العمال إلى 20% أي سيظل 80% منهم عاطلون. وهذا هو الذي يسميه دعاة العولمة بمجتمع الخمس؛ لأن بعض القطاعات في مجال الإلكترونيات والإعلاميات والاتصال، وهي من القطاعات الأكثر رواجًا في العالم، لا تحتاج إلا إلى عدد قليل من العمال. فالتقدم التكنولوجي يؤدي في إطار العولمة إلى ارتفاع البطالة وانخفاض مستوى الأجور نظراً لقلة الطلب على العمال.
4- تقلص الخدمات التي تقدمها الدولة وقصر دورها على حراسة النظام.
بما أن الدول النامية ستخضع لسلطة البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، فهذا يعني أنها سوف تضطر للتخلي عن إدارة وتقديم الخدمات للمواطنين والتوجه نحو خصخصة المصالح والشركات العامة إرضاء للمقرضين من ناحية ومحاولة للتخلص من عبء ملقى عليها، وهذا ما شهدناه في الآونة الأخيرة في البلاد الإسلامية من خصخصة الشركات العامة وتمليكها لمستثمرين أجانب من أصحاب الأموال الطائلة، ما يعني أنه سوف تتقلص الخدمات التي تقدمها الدولة لأنها ستصبح خدمات مدفوعة الأجر، وحينها سيقتصر دور الدولة على حراسة النظام والتوفيق بين جشع الشركات المالكة وبين بؤس المواطنين.
5- تراجع الاقتصاد المحلي وتحول البلاد إلى سوق للسلع المستوردة.
عادة ما تنتهي العولمة الاقتصادية في البلدان النامية إلى فتح الأسواق العالمية أمام المنتجات الغربية بدون عوائق أو ضوابط مثلما حدث في سوق العقبة التجاري بالأردن وسوق دبي الدولي، وعليه فلن تستطيع المنتجات المحلية مواجهة المنتجات المستوردة ومنافستها، ما يعني تعثر العديد من الأنشطة الاقتصادية المحلية. ويكون البديل المتاح حينها هو إما الاقتصار على الاستيراد، وهذا البديل قصير الأمد حيث ستنضب أرصدة السيولة المالية، ويزداد التضخم نتيجة للركود الاقتصادي، أو الخيار الثاني وهو بيع الأصول الاقتصادية إلى الشركات العالمية بحجة الإصلاح الاقتصادي وهو المطلوب، لأنه سيؤدي إلى الاستسلام النهائي لسياسات العولمة وبالتالي تخلف الدولة.
وبما أن الشركات متعددة الجنسيات عادة ما تأخذ ما يكفيها من التسهيلات والضمانات السياسية والاقتصادية التي لا تحظى بها رؤوس الأموال المحلية فهذا سيؤدي إلى عرقلة الاقتصاد المحلي وإضعافه.
6- إهمال القيم الأخلاقية والإنسانية
بما أن الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات دخيلة على المجتمعات والدول فهي تكون خالية من القيم الأخلاقية والإنسانية بحيث لا تنظر إلى المجتمعات سوى نظرة جشع واستغلال ومص لدماء وخيرات البلاد. فالشركات الكبرى لا يهمها سوى الربح المادي بعيداً عن مشاكل البلاد أو الظروف التي تمر، فمثلا نرى إصرار وتعنت الدول الكبرى الراعية لهذه الشركات في وجه كل الدعوات المطالبة بالمحافظة على البيئة، فضربت بالمطالبة المتنامية عرض الحائط وضحت بالبيئة من أجل المكاسب المادية.
والحقيقة أن الحديث عن المخاطر والآثار السيئة للعولمة يطول، فهناك العديد من المشاكل والمصائب الأخرى التي اكتوت بنارها البلاد النامية، ولكن يكتفى بما ذكر.
وهنا نتناول مثالاً نسلط من خلاله الضوء على دور العولمة في صناعة وتصدير الأزمات
ففي الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية لعبت العولمة دوراً بارزاً فيها، حيث إن الذي أدى إلى ازدهار سوق الرهن العقاري عالمياً هو عولمة سوق رأس المال، فلولا السوق المفتوحة والمضاربات المالية التي وفرتها سياسية العولمة لما تطورت المشكلة إلى مشكلة عالمية.
فبسبب سياسة العولمة وانفتاح الشركات على بعضها أقبلت الشركات العالمية والبنوك الخاصة والمركزية وكذلك الأفراد على شراء الأسهم في شركات الرهن العقاري الأميركية سعياً وراء الربح… فأخذت قيم العقارات وبالتالي أسهم الشركات العقارية المسجلة بالبورصة بالارتفاع بصورة مستمرة في جميع أنحاء العالم خاصة في الولايات المتحدة، ولكن عندما توقفت أميركا عن إعطاء قروض ميسرة لشركات الرهن العقاري وللمصارف, بل وطالبتها بسداد القروض التي أخذتها سابقاً عند حلول مدتها… هبطت قيمة العقارات. ونتيجة لتضرر المصارف الدائنة نتيجة عدم سداد المقترضين لقروضهم هبطت قيم أسهمها في البورصة.
وهكذا انهارت أسهم الشركات العقارية في البورصة، حتى إن العدوى أصابت القطاعات التي لا تتعامل في الأنشطة العقارية, ولكن بسبب العولمة وتداخل أعمال القطاعات الاقتصادية فقد حصل التأثر فيها، وبدأت الأزمة العالمية.
وملخص القول إن العولمة أداة للدول الكبرى لمص دماء الشعوب ونهب ثرواتهم والعيش على ظهورهم، وهي إفراز طبيعي للرأسمالية العفنة، وهي كما وصفتها بعض المقالات بأنها الأمركة، والتي من خلالها تخسر الأمم الضعيفة في مواجهة العولمة كل شيء. وأما الأمم القوية فهي التي تربح كل شيء.
موقف الإسلام من العولمة الاقتصادية وموقع الدولة الإسلامية القادمة منها
هنا يتبادر إلى الذهن التفكير في البديل والحل، فما هو موقف الإسلام من العولمة الاقتصادية؟ وما هو موقع الدولة الإسلامية القادمة منها؟ وللإجابة على ذلك نقول:
أولاً: إن للإسلام نمطه الاقتصادي الخاص به والذي ينافي تماماً النمط الاقتصادي الرأسمالي، فمبدأ الإسلام وبكل ما فيه قائم على أساس الرحمة والهداية والرأفة بالبشرية وليس الجشع والاستغلال كما هو التفكير الرأسمالي، ولكن هذا النمط لا يمكن أن نرى تكامله ونجاحه إلا بعد أن تتبناه دولة فتطرحه كنظام عالمي بديل.
فالإسلام يملك أحكامه الخاصة للسياسة الخارجية والتجارة الدولية وأحكاماً للجمارك والضرائب التي لا تشابه النظام الرأسمالي مطلقاً، كما ويملك الإسلام نظامه النقدي القائم على قاعدة الذهب والفضة، ونظامه المصرفي الخاص به، كل ذلك يحول بين تحول الاقتصاد الإسلامي إلى اقتصاد وهمي زائف.كل هذا وغيره يجعل الإسلام نمطاً فريداً خالياً من كل دواعي الأزمات والكوارث الاقتصادية، والأهم من ذلك أنه خالٍ من دواعي الجشع والاستغلال.
فالقيم الرأسمالية هي قيمة واحدة هي المنفعة وتعظيم المنفعة إلى أبعد حد مستطاع، وهي تجعل من الإنسان غولاً مفترساً يلهث وراء المادة في صراع مسعور مع منافسيه، صراع تسقط فيه كل القيم الإنسانية ما دام ذلك يحقق الربح والثراء.
بينما في الإسلام القيمة المادية هي إحدى القيم، والقيم الأخرى تحكمها، فالإسلام يربي في المسلم الإيثار والنجدة والصدق والمسؤولية عن الغير:
وجاء في الحديث: «أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسول الله» رواه أحمد. وفي الحديث: «ما آمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهويعلم به» رواه الطبراني. وفي الحديث: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين يغليه عليهم كان حقاً على الله أن يقذفه في جهنم رأسه إلى أسفله» رواه الحاكم. وفي الحديث «من احتكر فهو خاطئ» أخرجه الإمام مسلم، وفي الحديث «زن وأرجح» رواه الترمذي،
وقصة سيدنا عثمان (رضي الله عنه) عنه عام القحط عندما تبرع بتجارته للفقراء ولم يستجب لإغراء التجار بالربح الوفير، قصة معروفة ومشهورة في حسن رعوية الإسلام.
كل هذا وغيره يلفت النظر إلى القيم الرفيعة الموجودة في الإسلام والتي تتنافى تماماً مع الرأسمالية.
ثانياً: بما أن العولمة الاقتصادية ليست مجرد فكرة تسري في البلاد والأمم كسريان النار في الهشيم، بل هي فكرة لها أدواتها وركائزها والتي بدونها لا يمكن أن يكون هناك عولمة، فلا بد إذاً من إعطاء رأي الإسلام في التعاطي مع هذه الأدوات والركائز.
فموقف الإسلام من منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) و مجموعة الدول الصناعية G8 أنها منظمات قائمة على أساس خطأ ويخالف الإسلام، وهي من أدوات الجشع والاستغلال والظلم في العالم؛ لذلك فمن الغني عن القول إن الدولة الإسلامية لن تقدم على التعاون أو العضوية أو الاتفاق مع هذه المؤسسات، بل ستعمل على محاربتها لإنهاء وجودها.
فالمسألة عندنا مسألة فكر ومبدأ وليست أساليب ووسائل، فالوسائل العلمية والتكنولوجية من جهة، والفكر الاقتصادي والنظام والتشريع الاقتصادي من جهة أخرى، أمران مختلفان بينهما برزخ لا يبغيان. والإعلام الرأسمالي (إعلام العولمة) يركز على الجانب العملي الذي لا خلاف عليه من أجل تصدير وتسريب الجانب الفكري التشريعي عن طريق الخداع، فكأن الجانب الأول هو حصان طروادة يحمل خبيئة خبيثة، ولغماً قاتلاً.
وهذا ما لم ينطل علينا ولن ينطلي علينا، لذلك فإن ركائز العولمة لن يكون لها مكان في دولة الخلافة، وما دامت الركائز ستكون معدومة في دولة الخلافة فإن العولمة لن يكون لها وجود في كيانها لأننا واعون تماماً على فكرتهم.
ثالثاً: من الخطأ أن يخطر بالبال أو يتبادر إلى الذهن حينما تذكر الدولة الإسلامية أنها كالدول العربية أو الدول النامية، بل دولة الخلافة ستكون الدولة الأولى في العالم، وقبل ذلك فهي ستكون في طريقها المتسارع لتكون دولة كبرى، وبذلك لن تهدد العولمة اقتصادها ولن تغزوها، بل إن دولة الخلافة ستصبح من الدول الفاعلة والمؤثرة في المسرح الدولي مثلما كانت أختها الدولة الإسلامية السابقة منارة للعلم والتقدم بشهادة علماء الغرب ومؤرخيه، حيث إنه من الحقائق التاريخية أن أوروبا كانت عالة على المسلمين علمياً، وإن علماءها وأبناءها كانوا يحجون إلى الدولة الإسلامية لطلب العلم. ومن جميل ما يروى أنه في الوقت الذي كان عند المسلمين نظام لوصول مياه الشرب إلى كل بيت ونظام للصرف الصحي محكم مغطى تحت الأرض، كان الأوروبيون يحتفلون باختراع غريب في ذلك الوقت، وذلك الاختراع هو الكعب العالي الذي كان يجنبهم أن يدوسوا في الأوساخ ومياه الصرف الصحي التي كانت تملأ الشوارع.
فالدولة الإسلامية ستكون في مقدمة العالم في العلم ووسائل الاتصال والتكنولوجيا المتقدمة، وسترحب بكل جديد في هذا المضمار تصنعه أو تشتريه بحسب مصلحتها.
ولكن هذا يختلف اختلافاً جوهرياً عن العولمة، فالعولمة فكر ونظام وتشريع أما تلك فوسائل، فكون العالم قرية صغيرة وهناك بريد إلكتروني وأس أم أس، إلخ… لا علاقة له بفتح الباب أمام الشركات الأجنبية تنهب خيرات البلاد وتُفقر العباد، ولا علاقة له بالخصخصة ولا بتخلي الدولة عن واجباتها التي أناطها الله سبحانه وتعالى بها، وهذا التقدم العلمي لا يؤدي إلى قتل المنشآت الصغيرة في دولة الإسلام ولا إلى تركز الثروة في يد فئة قليلة،
فليكن لنا كل التكنولوجيا في العالم وكل السرعة في نقل الأخبار في طرفة عين، ولكن في الوقت نفسه فإن سيادة الدولة وعدم وجود سلطان للكافر عليها لا تُمس، وأصحاب المشاريع المحلية أهل البلاد هم الذين يحظون بالدعم والمساندة من الدولة حتى يكونوا ذخراً للدولة وخيراً للمجتمع، وليس الشركات اللاأخلاقية الماصة لدماء الشعوب، بل تلك الشركات إن سمحنا لأصحابها بالعمل عندنا فإن ذلك يكون ضمن أحكام الإسلام عامة، وعلى أساس أن لا تضر مطلقاً بالصناعة المحلية أو بأي أمر من أمور المسلمين.
اذن فالعولمة شر فتحت بابها أميركا، وشرورها باتت تتسارع حتى طالت العالم كله، فكانت اسماً على مسمى في الشر. والله نسأل أن يقيم لنا خلافتنا الراشدة لتنقذ العالم كله، وليس المسلمين فقط من هذا الرجس. اللهم آمين.
3-العولمه واثرها على الشعب الفلسطيني بشكل خاص:
ان الوضع الفلسطيني الراهن يشير إلى أن السياسة باتت فناً للفوضى أو الموت البطيء بدلاً من فن إدارة الصراع الوطني والاجتماعي، وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى نكبة أشد خطراً وعمقاً من نكبة 48… معنى ذلك هناك خلل كبير يدفع ثمنه شعبنا الفلسطيني عموماً والجماهير الفقيرة خصوصاً. ذلك أن ما يجري هو شكل من الفوضى السياسية والمجتمعية المحكومة بالطبع بأهداف ومصالح وبرامج محددة (خارجية وداخلية متشابكة) بالرغم مما يبدو من تعدد المحاور السياسية والتنظيمية والأمنية، التي تسعى إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وبلورته في الصيغة المطلوبة وفق مقتضيات الصراع بين القطبين، (فتح وحماس) في إطار فسيفساء متناقضة أو حالة من الفوضى والصراع قد يفقد معها المشروع الوطني عناصره وثوابته الجوهرية ما سيدفع إلى ولادة نظاماً أو مشروعاً وطنياً مشوهاً عاجزاً عن حمل مواصفات وشروط النظام السياسي أو برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني لحساب هوية الإسلام السياسي أو الأمة الإسلامية، حينئذ لن تكون هذه الهوية بديلاً للمشروع الوطني فحسب بل ، "ستمثل" نهاياته لكي تبدأ بالسير في مشروعها ، وهي إمكانية نزعم أنها مستحيلة التحقق في فلسطين راهناً إلا إذا استطاع تيار "الإسلام السياسي" أن يصبح مشهداً رئيسياً في بعض أو معظم بلداننا العربية، وهو أمر لا يمكن تحققه بدون التكيف مع السياسات الأمريكية.
إذا كانت بعض ممارسات الانتفاضة الثانية قد جلبت الكارثة –ولو بالمعنى الجزئي- على الصعيدين المجتمعي الداخلي والسياسي العام، وعززت دور حماس الكفاحي والنضالي الذي نقر به، ونحترمه ، بمثل ما نقر بأنه يحمل مضموناً سياسياً وأيدلوجياً مغايراً يعبر عن نفسه عبر هوية لا نريد لها أن تشكل نقيضاً حاداً أو دموياً للهوية الوطنية ، من هنا اهمية الاقرار بمبدأ فصل الدين عن الدولة دون ان يعني ذلك موقفا سلبيا من الدين أو الجوانب الايجابية العديدة في تراثنا العربي الاسلامي .
لذلك، علينا كتيار وطني ديمقراطي عموماً، وقوى يسارية خصوصاً أن نتعاطى مع ما يجري من على أرضية المصالح والاهداف الوطنية والقومية التقدمية الديمقراطية الكبرى وليس من منطلق حماس أو فتح ، خاصة وان كلاهما يعيش أزمة خانقة أو تحولات خطيرة… وهذا يحتاج منا إلى إعداد أنفسنا للبناء عبر مرحلة تمكين حقيقية على المستوى التنظيمي والفكري والسياسي، بما يحقق تطلعنا المشروع والتاريخي لاستعادة دورنا وتأثيرنا المستقبلي القريب المنشود، انطلاقاً من قناعتنا بان هذه المرحلة ليست مرحلتنا دون أن يعني ذلك انكفاءنا أو عزلتنا عن الجماهير، رغم اعترافنا بهذه العزلة التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من تراجع وتفكك وضعف للدور والتأثير أصاب مجمل أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نورد فيما يلي عددا من مؤشراتها:
أولاً :
إن إسرائيل، وعلى الرغم من اختلاف الحكومات التي تعاقبت عليها منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن، ورغم الاختلافات بين الأحزاب الإسرائيلية لا تريد تسوية مع الفلسطينيين، كما تدعي، وإنما تريد تسويتها هي التي تقوم على فرض شرعية المحتل الغاصب بديلاً لقرارات الشرعية الدولية.
ثانياً :
لقد باتت السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة سلطة ضعيفة ومقيدة، وأصبحت عبر الصراع المستتر والمكشوف بين قطبيها على حافة الانهيار، مما يعزز قدرة العدو المحتل على تنفيذ مخططاته واهدافه في فرض تسويته على شعبنا ، اذا ما بقيت احوال مجتمعنا على هذا الحال من الضعف والتفكك ، واذا ما بقي الصراع الدموي على السلطة قائما او محتملا بين قطبيها .
ثالثاًً :
رغم انها سلطة محدودة الصلاحيات، ولكن يبدو احياناً وكأن السلطة أصبحت غاية بحد ذاتها.
رابعاً :
ان اتفاق مكة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية، لم يقدما برنامجاً وطنياً منسجماً وموحداً ومشتركاً، وانما شكلا نوعاً من التعايش بين برنامجين مختلفين، لذلك لاحظنا انه رغم ان حكومة الوحدة الوطنية لم يمض على تشكيلها شهران تصاعدت الدعوات لتغييرها او لحل السلطة او الدعوة الى انتخابات مبكرة او لتغيير برنامج الحكومة لينسجم بالكامل مع الشروط الدولية. وهذا يطرح ضرورة المسارعة لحوار جاد بين كافة القوى والفعاليات لبلورة رؤية استراتيجية قادرة على توحيد الفلسطينيين فعلاً، وبحيث ينبثق عنها برنامج قادر على حفظ الحقوق والاهداف الوطنية، وقادر في نفس الوقت على الاقلاع وفك الحصار وضمان استمرار التطور الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي ، على طريق انهاء الاحتلال وازالة مستوطناته وجداره ووقف حصاره وعدوانه .
خامساً :
تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها مجتمعنا الفلسطيني– خصوصاً في السنوات السبع الأخيرة 2000-2007 وأبرزها غياب الشعور بالذنب عند هدر المال العام, والاتكالية واللامبالاة والرشوة, وانتشار الميل إلى الإحباط أو الاستسلام, والنفاق بكل صوره الاجتماعية والسياسية, والخضوع, ومظاهر البذخ, وسيادة منطق العشيرة أو الحمولة على منطق النظام العام والقانون, وتراكم الخوف في صدور الناس, لدرجة أن الكثيرين في مجتمعنا أصبح همهم هو الانخراط في الحياة الاجتماعية لتأمين مصالحهم الخاصة والحفاظ على سلامتهم، والنتيجة الحتمية لهذا المسار الاجتماعي الشاذ تقضي بأن تحل روح الخضوع محل روح الاقتحام والكرامة, وروح المكر محل روح الشجاعة, وروح التراجع محل روح المبادرة, وروح الاستسلام محل روح المقاومة, وروح الفوضى والانفلات محل روح النظام والقانون وما رافق ذلك من ارتفاع مذهل في تزايد انتشار الجريمة في مجتمعنا بصورة غير مسبوقة، وسبب هذا, كما يرى المؤتمر ، هو تزايد سطوة المتنفذين من رموز الاستزلام في أوساط بعض الاجهزة الامنية الى جانب بعض العشائر و الحمائل و العائلات – على مستوى الضفة و القطاع ، وانتشار ظاهرة السلاح في المجتمع الفلسطيني إلى جانب عمليات التهريب غير المشروعة بكل أنواعها ، و صمت الأجهزة الأمنية – بل تواطؤها أحيانا. كل ذلك أدى إلى تزايد نسبة الجريمة و انتشار ظاهرة الزعران " والقبضايات " ذات الطابع العشائري و السلطوي معاً.
وفي هذا السياق نشير الى حالة الانقسام الاجتماعي الداخلي التي قد تؤدي الى الانفصام السياسي بين الضفة وقطاع غزة.
أما على الصعيد الاقتصادي:
1- تزايد انتشار الفقر الذي لم يتوقف عند الفقر المادي أو الفقر في الدخل بل تخطى هذين الحدين إلى الفقر في القانون والنظام والقيم. وتزايد التفاوت اتساعا بين مستويات المعيشة ، في معظم مناطق الضفة وقطاع غزة علاوة على مخيمات اللاجئين.
2- انخفاض الدخل الحقيقي للفرد بأكثر من 50% في عامي 2006/2007 ، وارتفاع نسبة الفقراء التي وصلت الى 70% من الأسر الفلسطينية التي باتت اليوم تقع تحت خط الفقر بواقع 53.5% في الضفة الغربية و82.7% في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، يمكن أن نؤكد أن تزايد نمو الفئات والشرائح الفقيرة في مجتمعنا –وهي الأغلبية الساحقة- لا يتحقق نتيجة أسباب خارجية (إسرائيل وغيرها) فحسب، بل ايضا نتيجة تنافس قطبي السلطة وسياساتهما على الصعيد الداخلي وأفعالهما الاقتصادية الأنانية الضارة ، مما يؤدي موضوعيا إلى زيادة مساحة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وحجمه. وهذا يعني أن التراكم الصاعد للعاطلين عن العمل وحجم الفقر بكل أشكاله ودرجاته سيستمران.
3- التناقص المضطرد في قدرة الاقتصاد المحلي الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة, وتراجع قدرته على التشغيل واستيعاب العمالة الفلسطينية في ظل تنامي ظاهرة البطالة بشكليها السافر والمقنع.
4- تواصل الهجمات التدميرية للعدو الإسرائيلي على مقدرات شعبنا عموما ، وفي القطاعات الانتاجية خصوصا في الصناعة والزراعة, إلى جانب استمرار الحصار والاغلاق داخل المدن والقرى الفلسطينية ، وفصل الضفة عن القطاع.
5- التدهور المتسارع للقدرات الذاتية للقطاع الخاص الفلسطيني ، في الصناعة والتجارة والزراعة والمقاولات والخدمات ..الخ واضطرار جزء منه الى الهجرة للخارج بحثا عن الاستقرار .
6- تراجع الايرادات المحلية من الضرائب والرسوم الى حوالي 20 مليون دولار شهريا .
7- تراجع الناتج الاجمالي المحلي من حوالي 4.5 مليار دولار عام 2000 الى 4 مليار دولار بداية عام 2006 ما يعني تراجع دخل الفرد السنوي الى حوالي ألف دولار فقط في ظل استشراء الغلاء والتضخم والبطالة .
إنّ هذه الصورة القاتمة للأوضاع الاقتصادية الفلسطينية, بكل مكوناتها وأنشطتها وقطاعاتها الإنتاجية وغير الإنتاجية ، تتطلب استنهاض كافة الفعاليات والقوى السياسية والكفاءات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص لصياغة خطط الطوارئ والسياسات والآليات المطلوبة للخروج من هذه الأزمة المستحكمة. وكل هذا يتطلب رؤية اقتصادية تنموية وطنية فلسطينية ترتبط بالمحيط العربي من حولها، وتستهدف إلغاء التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
إن هذه المرحلة الحرجة تحمل في طياتها جملة من المخاطر الجدية غير المسبوقة على قضيتنا الوطنية وثوابتنا في حق العودة والاستقلال والدولة ، إلى جانب مخاطرها التدميرية على اقتصادنا الفلسطيني باستمرار إلحاقه وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي ، علاوة على تفكيكه وتقسيمه إلى اقتصادين منفصلين في الضفة والقطاع. وكل هذا يملي علينا مزيدا من الصعوبات والتحديات الاقتصادية –علاوة على التحديات السياسية التي أشرنا إليها- وأهمها ، تحدي التنمية الوطنية الشاملة لكل من الضفة والقطاع كوحدة سياسية اقتصادية واحدة عبر تطبيق استراتيجية وطنية تنموية فلسطينية.
إننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية ، وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية, أمر قابل للتحقق من خلال تكريس الاتفاق والالتزام الجماعي مع البرنامج الوطني الفلسطيني ووثيقة الوفاق الوطني، حينئذ نكون قد امتلكنا فعلا المدخل القادر على تجسيد الوحدة الوطنية الداخلية بما يمكننا من امتلاك القدرة على تحديد معالم مستقبلنا السياسي/الاجتماعي/الاقتصادي والتنموي بوضوح ، ولكن استمرار حالة الفلتان لا يعني سوى المزيد من التفكك والانهيار ما يفرض علينا ان نخاطب جماهيرنا بصراحة ومسئولية في تحليلنا لهذه الظواهر ، ذلك ان ما يميز الواقع الفلسطيني في اللحظة الراهنة عن سواه من المجتمعات أن الخلل الأساسي والمتسبب الأكبر الذي يقود حالة الفلتان الأمني يكمن في تسيب الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي يفترض أن تشكل درعا لحماية المواطن الفلسطيني، وغياب الإرادة والقرار السياسي والأمني لديها بشأن معالجة قضية الفلتان الراهنة.
وهذا يعني الإسهام بدورنا كمهمة عاجلة في وقف كافة الأساليب أو المظاهر المسلحة الضارة وتجميع السلاح تحت مظلة العمل الميداني المشترك المرتبط بإستراتيجية وطنية وآليات نضالية محددة المعالم محكومة بتلك الإستراتيجية في كل الأحوال .
وفي محاولة للخروج من المأزق المعقد، علينا أن نبذل الجهود المكثفة من اجل:
1- إعادة الاعتبار لتوصيف المرحلة بوصفها مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، بقيادة م.ت.ف، وممارسة الضغط السياسي المطلوب لإعادة هيكلتها وإعادة الاعتبار اليها كمرجعية دستورية وسياسية وحيدة وجامعة لكل أبناء شعبنا في الوطن والشتات.
2-المطالبة بضرورة تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، على أساس وثيقة الوفاق الوطني ، لحماية المشروع الوطني وثوابته وحماية المجتمع الفلسطيني وتفعيل مضمون الوحدة الوطنية، لأنها قد تمثل في اللحظة الصعبة الراهنة، إمكانية وأد الصراع الدموي ووقف الانهيار الداخلي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ورفع الحصار عن شعبنا ووقف كل أشكال الهبوط السياسي والاجتماعي، والتصدي لمظاهر الفساد والتفكك الداخلي وممارسة رموزها.
3- مطالبة المجتمع الدولي برفع حصاره الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني و سلطته و مؤسساته الوطنية الرسمية و الشعبية, و مطالبته أيضا بالضغط على المحتل الإسرائيلي لرفع حصاره ووقف إرهابه و عدوانه المستمر على شعبتا و أرضنا.
4- مطالبة الطرفين المتصارعين فتح و حماس,بالالتزام التام بوقف إطلاق النار و سحب المسلحين من الشوارع و الاتفاق على مبدأ تحريم العنف و استخدام السلاح في حل الخلافات الداخلية, الأمر الذي يتطلب البدء بحوار وطني شامل و استراتيجي يتجاوز منطق الاحتكار الثنائي و المحاصصة , و يهدف إلى تطوير و حماية النظام السياسي الفلسطيني و كافة مؤسساته الوطنية على أسس وطنية و ديمقراطية شاملة.
5- وقف الحملات الإعلامية المتبادلة التي تؤدي إلى تأجيج المشاعر , و التحريض و التحشيد و تعميق الانقسام و الروح العدائية , و إدانة كافة أشكال الممارسات التي تمس و تهدد كرامة و حقوق و ممتلكات المواطنين .
6- مطالبة الرئاسة و الحكومة في تفعيل دور الأجهزة الشرطية و الأمنية لفرض القانون و إنفاذه على الجميع دون استثناء, انطلاقا من كون ذلك يشكل الخطوة الأولى و الأهم على طريق التصدي لكل الظواهر التي تتصل بالفوضى و الفلتان , و التعدي على حقوق الغير.
7-تفعيل مشاركة الجماهير، والعمل على مواجهة العراقيل والأعباء الناجمة عن مواقف العدو الإسرائيلي/الامريكي والقوى العربية الرسمية والقوى الإقليمية والدولية الداعمة أو المنسجمة مع تلك المواقف .
8- إعادة الاعتبار للقضاء الفلسطيني كضرورة قصوى , وتعزيز الجهاز القضائي, و منحه الاستقلالية الكاملة , و فصله عن الأجهزة التنفيذية و احترام قرارات المحاكم و العمل على تنفيذها و فرضها بقوة القانون . و في هذا الإطار فإننا اذ نقدر الدور الإيجابي لرجال الإصلاح و لجانهم في معالجة العديد من القضايا , لكننا ندعو إلى توظيف هذا الجهد نحو إعادة الاعتبار لدور النظام و سيادة القانون و سلطة القضاء مما يستدعي رفع الغطاء الحزبي و العائلي عن المتهمين بمخالفة القانون و ارتكاب الجرائم و محاسبتهم أمام القانون.
9- إعادة بناء الأجهزة الأمنية و المؤسسات الرسمية على أسس وطنية بعيدة عن الانتماء التنظيمي و العشائري و المحاصصة الحزبية و تحديد دورها في إطار القانون لتمكينها من تنفيذ الخطة الأمنية , و القيام بواجباتها في فرض سيادة القانون و مجابهة ظاهرة الفلتان الأمني و فوضى السلاح , و التعديات و أعمال التخريب و الجريمة التي تستهدف ضرب مؤسساتنا الثقافية و التراثية و الحضارية , و تهديد أمن المواطن و ممتلكاته , و نشر ثقافة العنف , و المخدرات و التهريب و الجريمة المنظمة.
أخيراً، قد نتفق على أن الحرب الجديدة، المتصلة، في لبنان وفلسطين، أوضحت بان دولة العدو الإسرائيلي، هي جزء من النظام الأمني الأمريكي، أو هي حالة امبريالية صغرى في المنطقة ، وبالتالي فهي عنصر فاعل في السيطرة على الوضع العربي المهزوم راهناً، أو ما يسمى بلغة "كونداليزا" الشرق الأوسط الجديد، وهي فكرة قديمة، تم استحداثها أمريكيا، لتأكيد وتسويغ هيمنة القوة الإسرائيلية في إطار التوافق المطلق بين الدولتين أو الأم ووليدها، الأمر الذي يفرض ألا ننساق وراء أوهام أنتجتها أزمات العمل السياسي، والعجز الذي أصاب الحركات والفصائل والقوى الوطنية والقومية اليسارية بالذات، في صراعها المنطفئ –في اللحظة- بسبب عجزها وتراخيها أو تفككها وتراجع هويتها التقدمية وانحسار دورها، وهي حالة يمكن أن تكون مؤقتة او عابرة –رغم ازمتها وتراكماتها السالبة وطول امتدادها خلال السنوات الماضية والى الآن- الأمر الذي يتطلب منا رؤية الأمور كما هي في الواقع، حيث يجب أن ننطلق (في التحليل السياسي للحالة الراهنة) من عدد من البديهيات:
الأولى: ان الدولة الصهيونية هي في ترابط عضوي مع الامبريالية الأمريكية، كما كانت منذ نشوئها في ترابط عضوي مع رأس المال الامبريالي البريطاني في مراحل سابقة، فهي أداة هذا الرأسمال للسيطرة على مقدرات وثروات الوطن العربي لحساب الامبريالية الأم، ولا يمكنها ان تعيش وتستمر دون هذا الترابط او ذلك الدور الوظيفي، وبالتالي يمكن التفكير في ان أي حل مرحلي مع هذا العدو هو نوع من الوهم طالما بقيت موازين القوى على ما هي عليه.
الثانية: إن إستراتيجية السيطرة الأمريكية على "الشرق الأوسط الجديد أو الموسع" تخصص دوراً مركزياً للدولة الصهيونية –في لبنان وفلسطين وربما سوريا،لاستكمال الدور العسكري الأمريكي وتعزيزه في العراق وأفغانستان وربما في إيران وغيرها في مرحلة قريبة لاحقة، وهذا هو بالأساس ما يبرر الدعم المالي والعسكري الأمريكي لهذه الدولة، وهو دعم مخطط ومتصل دون أية شروط أو حدود
الثالثة: أن مستقبل المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، إذا لم يسدل الستار عليه، في ظل معطيات المصالح والصراعات الراهنة، بات محكوماً –إلى حد بعيد- لأدوات طبقية (بيروقراطية وكومبرادورية) تعبر عن مصالحها رموز الواقعية السياسية أو الهابطة بالمشروع الوطني إلى أرضية وشروط اولمرت والسياسات الأمريكية المتصلة بها.
الرابعة: ان مشروع الإسلام السياسي هو مشروع بديل –من وجهة نظر أصحابه- لكل من المشروع الوطني والقومي التقدمي الديمقراطي، وبالتالي فهو جزء من مشروع الإسلام السياسي على المستوى العربي الإقليمي لحركة الإخوان المسلمين، وهو مشروع (بحكم المكونات الطبقية أو الاجتماعية والاقتصادية لهيئاته القيا (فيما يلي قائمة المراجع ) : - 1 - د / حسين كامل بهاء الدين . (2002) . " الوطنية في عالم بلا هوية تحديات العولمة " ، سلسلة مكتبة الاسرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب .